فعالية المرأة في التنمية: عن المرأة الخليجية على ضوء مقاربة التنمية حرية بين محمود محمد طه وأمارتيا سن

عبدالله الفكي البشير
abdallaelbashir@gmail.com

2022 / 11 / 21

بقلم أحلام الظفيري
باحثة كويتية

مدخل

يقدم هذا المقال إضاءة حول فعالية المرأة ودورها في التنمية، مع التركيز على المرأة الخليجية وهي بين سندان القوانين المدنية ومطرقة هيمنة القبيلة. انطلق المقال في مفهومه للتنمية من المقاربة التي قدمتها الدكتور عبد الله الفكي البشير وجاءت بعنوان: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حرية- محمود محمد طه و أمارتيا كومار سن، (مقاربة)، 2022. قارن الدكتور البشير بين رؤيتين تجاه التنمية مثلت إحداهما، آخر أطروحات الفكر التنموي، كما وصفها أهل الاختصاص (عبدالله الفكي البشير، 2022: ص 40، 252)، وهي للفيلسوف الهندي أمارتيا سن، الأستاذ في جامعة هارفارد، والحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 1998. قدم سن رؤيته في كتابه: Development as Freedom (1999). وجاءت الترجمة إلى اللغة العربية عام 2004، عن سلسلة عالم المعرفة (303)، الكويت، بعنوان: التنمية حرية: مؤسسات حرة وإنسان متحرر من الجهل والمرض والفقر. وكانت الرؤية الثانية للمفكر السوداني محمود محمد طه (1909- 1985)، الذي واجه تنفيذ حكم الإعدام عليه بثبات مدهش وابتسامة خالدة، وذلك بمدينة الخرطوم في 18 يناير 1985. اشتملت مقاربة الدكتور البشير على ثمانية فصول، ومقدمة، وخاتمة، إلى جانب فهرس للأعلام، وقائمة المصادر والمراجع، وجاءت في (284) صفحة من القطع المتوسط. خصص البشير الفصل السادس من مقاربته لفعالية المرأة ودورها في التنمية والتغيير الاجتماعي، فتناول الحرية التي تعني المسؤولية، واستقلال المرأة الاقتصادي، والعمل، والإنتاج، والاختيار، استناداً على رؤيتي طه وسن. يحاول هذا المقال التركيز على واقع وفعالية المرأة في بلدان الخليج العربي بشكل خاص، وسوف يتم تسليط الضوء بشكل أدق على ما تعانيه النساء في المجتمعات الخليجية في ظل سطوة القبيلة في هذه المجتمعات، إلى جانب الإشارة إلى مجموعة من التحديات التي تقف عقبة أمام نيل المرأة لحريتها وحقوقها الأساسية كمواطنة في تلك المجتمعات.
ينطلق طه في رؤيته تجاه التنمية من العلم التجريبي الروحي حيث الدين والقرآن في مستوى آيات الأصول (الآيات المكية)، بينما ينطلق سن من رؤية تقوم على العلم التجريبي المادي والخبرة العملية، دون اعتبار للدين. فقد وصف أمارتيا سن نفسه، قائلاً: “As a nonreligious person” أي "لا ديني" (البشير، 2022: ص 252). سعى كل منهما على تأكيد دور المرأة المهم في التنمية.. كما قدم كل منهما رؤيته لكيفية تعزيز دور المرأة في التغيير الاجتماعي وتحقيق التنمية.. وأوضح كل منهما بأن محور التنمية وغايتها هو الإنسان، من حيث هو إنسان، امرأة أو رجل. وكان هدف التنمية عند كليهما هو تحرير الإنسان من المرض والجهل والفقر، وأضاف طه أن التحرير يكون من الخوف كذلك. وجاء عندهما أن تحرير الإنسان يكون عبر تمليكه للقدرة، فامتلاك القدرة هو مقياس للتنمية أو أكثر من الفقر. وقد أشار البعض أن هذه المعنى هو آخر ما وصل له الفكر التنموي في العالم (البشير، 2022: ص 40، 252). كان طه أسبق من سن فقد طرح رؤيته في كتبه منذ خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي، بينما جاءت رؤية سن في العام 1999. ففي الوقت الذي لا يعطي فيه سن اعتباراً للجانب الروحي، فإن طه يرى بأن البيئة التي يعيش فيها الإنسان هي بيئة روحية ذات مظهر مادي. وأن الاضطرابات التي يشهدها عالم اليوم، ترجع إلى سبب أساسي، وهو مدى التخلف بين تقدم العلم التجريبي، وتخلف الأخلاق البشرية. ويرى بإن العلم التجريبي الحديث رد مظاهر المادة المختلفة، التي تزخر بها العوالم جميعها، إلى أصل واحد، هذا الاكتشاف الجديد، كما يرى طه، يواجه الإنسان المعاصر بتحد حاسم، فالعلم المادي التجريبي، والعلم الروحي التجريبي، التوحيدي، اتحدا اليوم في الدلالة على وحدة الوجود. ولهذا فإن عليه أن يوائم بين حياته وبين بيئته هذه القديمة الجديدة، وبهذه المواءمة والتناسق يكون الرجوع إلى الله بعقولنا، بل وبكل كياننا، حتى نحقق العبودية لله. والعبودية لله، عند طه، هي غاية الحرية، وكلما زاد العبد في التخضع لله، كلما زادت حريته. فبالعلم التجريبي لا نستطيع الرجوع إلى الله، وإنما أسرع الطرق للرجوع لله يكون عن طريق الفكر، النابت في البيئة الروحية. والفكر، كما يرى طه، أسرع من الضوء، وبالطبع أسرع من الآلة التي ينجزها العلم التجريبي. ولهذا فإن قواعد الأخلاق البشرية إذا لم ترتفع إلى هذا المستوى فترد جميعها إلى أصل واحد، الأصل الروحي، كما ردت ظواهر الكون المادي إلى أصل واحد، فإن التـواؤم بين البيئـة، وبيـن الحيـاة البشرية، سيظـل ناقصاً، وسيبـقى الاضطراب الذي يعيشه عالم اليوم مهدداً الحياة الإنسانية على هـذا الكوكب بالعجـز، والقصـور، في أول الأمر، ثم بالفناء والدثور، في آخر الأمر (البشير، 2022: ص 257- 258).

حو ل واقع المرأة

إن ما يحدث للمرأة في الوطن العربي بشكل عام، والخليج العربي على وجه الخصوص، في ظل التوق لفعاليتها في التنمية، لوصمة عار يسجلها التاريخ، وقضية حقوقية يلاحق شبحها الحكومات العربية في المحافل الدولية، وفي حقيقة الأمر، فعلى الرغم من ملاحظة تقدم طفيف فيما يتعلق بالملف الحقوقي للمرأة الخليجية؛ إلا أنه تم رصد العديد من الانتهاكات المسجلة ضد المرأة، والتي تهدد أمنها الوجودي في بلدان الوطن العربي ، ومن هذا المنطلق، سوف أركز في هذا المقال على واقع المرأة في بلدان الخليج العربي بشكل خاص، وسوف يتم تسليط الضوء بشكل أدق على ما تعانيه النساء في المجتمعات الخليجية في ظل سطوة القبلية في تلك المجتمعات، فكما هو معروف إلى الآن، لا تزال القبيلة مكون أساسي للبناء السياسي والاجتماعي الخليجي، وتعتبر موجه رئيسي لأغلب السياسات والقرارات التي تتبناها هذه الدول، الأمر الذي خلق صداماً بين ما يجب أن يكون عليه وضع المرأة، وبين الواقع المعاش الذي تواجه فيه المرأة الخليجية مجموعة من التحديات الأمنية التي تقف عقبة أمام نيل المرأة لحريتها وحقوقها الأساسية كمواطنة في تلك المجتمعات .
كثيرون من ينتقدون تأثير القبيلة في المجتمعات الخليجية، وفي الحقيقة لا أجد مسوغاً لهذا الأمر، وذلك بالنظر إلى حداثة نشأة الدول في الخليج العربي، ودور القبيلة في المحافظة على تماسكها واستقرارها، ولكن ما يزعج هو تدخل المكون القبلي في سياسات وقوانين أنظمة العدالة وتطبيقاتها، فضلا ًعن تدخل القبيلة في مجال السلطات الأمنية. يجدر الإشارة بأن هناك نمو في الوعي لدى النساء في المجتمعات الخليجية حول حقوقهن في الدستور الوطني، ولهذا الأمر، يجب الحديث بصوت أعلى عن تلك النسوة المهمشات، فهناك مسؤولية على كل امرأه نالت حقها بأن لا تنسى قريناتها، وهذه المسؤولية تتضاعف عندما نرى بأن هناك انتهاكات متزايدة على المرأة سواء من مجتمعها أو من سوء فهم البعض للدين الإسلامي، فهناك من يرى, وهم كثر, بأن المرأة لا زالت قاصر وبحاجة إلى من يقوم سلوكها، ويقيد تحركها كونها قد تجلب العار والعيب على أسرها، فلا الدين يقبل هذه النظرة للمرأة، ولا القانون الإنساني، والذي هو في حالة تطور مستمر.

التنمية في دول الخليج والمرأة

تتسابق اليوم دول الخليج على مشاريع التنمية والتطوير متناسين أهم جزء في كل مجالات التنمية، وهو قطاع المرأة فهي القادرة على صنع جيل يسهم في رفعة البلاد، أو جيل أخر يساهم في تدهور الأمة، ولهذا الامر يجب أن تكون المرأة ضمن أولويات الخطط التنموية لأي بلد، وهنا يمكن استدعاء مقولة طه: "أشرف مهنة في المجتمع مهنة الأمومة لأنها تصنع الرجال وقد تفردت بها المرأة فينبغي أن تلقى من المجتمع البر والكرامة ليجيء أبناؤها أبراراً كراماً" وقد أكد على دور وأهمية المرأة العديد من المفكرين والأدباء، منهم الكاتب والمحلل السياسي الدكتور عبدالله الفكي البشير في مقاربته، آنفة الذكر، أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حرية، والتي ناقش فيها رؤية محمود محمد طه تجاه عمل المرأة وانتاجها في البيت، ورؤية أمارتيا سن ايضاً، وقد سعا كلاهما بطريقته للتركيز على أن يعتبر البيت مركزياً، وقد تناول الدكتور البشير هذا المعنى بتوسع في كتابه, وما أثار الإعجاب هو الشعور الواضح في الاقتباسات المطروحة في كتاب الدكتور البشير عن المفكر محمود محمد طه, التي تبين مدى حبه و احترامه للمرأة التي انجبته ومقدراً دورها في هذه الحياة، وهو ما قام بتأكيده ولطالما سألت مع كل من أقابل لماذا يخاف الرجل المرأة القوية وهي من ستنجب له أبناءً أقوياء؟ لماذا يخشى صاحبة القرار والحضور والتنوع الثقافي وهي من ستورثه لأبنائه؟

عن مقاربة فعالية المرأة ودورها في التنمية

يرى أمارتيا سن، كما أورد الدكتور البشير، بأن الدعوة إلى رفاه المرأة، والتي تتجلى في أطروحات الحركات النسائية اليوم، ليست كافية. ويرى بأن مهام هذه الحركات حتى إلى فترة قريبة، اعتمدت العمل أولاً وأساساً في سبيل إنجاز معاملة أفضل للمرأة في صورة صفقة عادلة ومتعادلة. وانصَبَّ الاهتمام أساساً على رفاه المرأة، بخطة كانت بمثابة تصحيح للأوضاع، غير أن الأهداف، كما يقول سن، تطورت واتسع نطاقها فانتقل على إثرها الاهتمام من الدعوة لأجل "الرفاه" إلى تجسيد فعالية المرأة وتأكيد دورها في التنمية. إن فعالية المرأة، كما يرى سن، لا يمكنها أن تغفل الأهمية الملحة لتصحيح مظاهر عدم المساواة التي تلقي بظلالها سلباً على رفاه المرأة، وتخضعها لمعاملة غير متكافئة. ويقول سن، إن أي محاولة عملية لتعزيز رفاه المرأة تتطلب الاعتماد على فعالية المرأة نفسها لإحداث التغيير. إن فهم دور الفعالية يمثل عنصراً مركزياً للاعتراف بالناس كأشخاص مسؤولين تجاه العمل والاختيار. ويتعين علينا، كما يرى، نساءً ورجالاً أن نضطلع بمسئولية الإنجاز من عدمه (البشير، 2022: ص 182).
أوضح البشير بإن رؤية سن تجاه فعالية المرأة، ودورها في التنمية وإحداث التغيير الاجتماعي، تشبه إلى حدّ بعيد ما طرحه محمود محمد طه فهو الذي أهتم بمكانة المرأة، وبإنسانيتها، ودعا إلى إعانة النساء على الخروج من مرحلة القصور، ليستأهلن حقهن الكامل في المسئولية، حتى تنهض المرأة، وتتصرف "كإنسان، لا كأنثى". ولما كان أساس التنمية، عنده، هو التنمية الاجتماعية، وغرضها تحرير الأفراد، ونهضة المجتمع، فإن نهوض المجتمع، عنده، مرهون بنهوض المرأة. ولا يكتمل، عنده، تحضُّر المجتمع وتمدُّنه، إلا بنَيْل النساء للحرية والحرمة والتشريف والكرامة، فالمرأة، كما يقول: "أكبر مظهر للمجتمع الناهض، المُنَمّى، في كَمِه وكَيْفِه". ونهضة المرأة تكون بتحقيق كرامتها وحريتها، والحرية تقتضي المسئولية. فكرامة المرأة تكون بحريتها، وهي حق أساسي، وحق إنساني. ويجب ألا تنتظر المرأة أن يُعطِيها الرجل الحق، فالحقوق تؤخذ. ومعنى تُؤخذ، كما يرى طه، أي يظهر الاستعداد لها، والاستعداد للحرية، كما يقول: يكون بتحمل المسئولية. إن المجتمع البشري نشأ في الغابة، وورث مخلفاتها، وهي مخلفات لا يزال يعيش أخرياتها. كان المجتمع في الماضي قائم على المنافسة في منادح الكسب وعلى المناجزة في مسالك الحياة فخضعت المرأة للرجل وباعته نفسها بيع السوام مقابل أن يغذيها وأن يحميها، وهذا الوضع، كما يقول، سيء ينبغي أن يتغير ويزول بشمول المساواة في الفرص للرجال والنساء على السواء وحينذاك لا تصبح المزيَّة قوة الساعد وإنما "قوة العقل وقوة الخلق". وإحداث التغيير يتصل بغرض التنمية الذي هو، كما يرى طه، نهضة المجتمع وتحرير الفرد من الجوع والجهل والمرض والخوف. إن فهم دور وفعالية المرأة في التنمية وإحداث التغيير، كما يرى طه، يتصل بالمسئولية الفردية، التي تقع على عاتق الرجل والمرأة، كما أن التغيير واجب فردي مباشر، ينشد التنمية التي هي نهضة المجتمع وحرية الأفراد. وللحرية ثمن وهو حسن التصرف الفردي والجماعي في تلك الحرية المكتسبة، وتحمل المسئولية عنها. ولهذا فإن دور المرأة وفعاليتها في التنمية وإحداث التغيير، كما يرى، وكما هو حال الفرد، عنده، سواء كان رجلاً أو امرأة، مرهون بتحمل المسئولية الفردية في القول والعمل والاختيار (البشير، 2022: ص 182- 183).


تقييد فعالية المرأة يلحق الضرر البليغ بحياة جميع الناس
"أشرف مهنة في المجتمع مهنة الأمومة لأنها تصنع الرجال وقد تفردت بها المرأة" (البشير، 2022: ص 193)

إن تقييد فعالية المرأة عند سن، كما أورد البشير، يضر ضرراً بليغاً بحياة جميع الناس، الرجال والنساء والأطفال، ولذلك لابد من التركيز على فعالية المرأة. ويقول سن لقد أصبح واضحاً من خلال النشاط التجريبي خلال السنوات الأخيرة أن رفاه المرأة يتأثر بقوة، بمتغيرات مثل قدرة المرأة على اكتساب دخل مستقل، وعلى توفير عمل خارج المنزل، وأن تتوافر لها حقوق ملكية خاصة، وأن تعرف القراءة والكتابة، وأن تكون مشاركاً متعلماً في اتخاذ القرارات داخل وخارج الأسرة. وفي هذا يرى طه بأن حرمان المرأة وظلمها أمر موروث من الحقب السوالف من التاريخ البشري، ولا يزال الظلم قائماً. وللقضاء على هذا الحرمان وهذه المظالم، لابد من تحرير المرأة وتمليكها القدرات عبر التعليم، فالتعليم، كما هو عنده، هو "اكتساب الحى للقدرة"‏‏‏. فالتعليم الذي يراد به إلى تحرير المواهب الطبيعية محصوله مكارم الأخلاق، وهو الوسيلة الوحيدة المفضية إلى الحرية التي بها وحدها يتمكن كل إنسان من تحقيق إنسانيته، وفي تحصيلها، وامتلاك المقدرة والمهارة، يستوي الرجال والنساء وتقع المسئولية عنه على عاتق كل رجل بمفرده، وكل امرأة بمفردها (البشير، 2022: ص 181، 183).
وذكر البشير بأنه وكما أشار سن إلى الضرر البليغ الذي يقع على جميع الناس، الرجال والنساء والأطفال، جراء تقييد فعالية المرأة، فإن طه يرى بأن كرامة جميع الناس، الرجال والنساء والأطفال، تتوقف على كرامة المرأة، بل يؤكد، قائلاً: "بدون كرامة المرأة، لا يمكن أن تكون للرجال كرامة، ولا يمكن أن يكون الأطفال كراماً، ولا يمكن تحقيق بناء المجتمع الصالح والكامل والعادل". وفوق كل ذلك فإن طه يرى بأن شأن المرأة هو أخطر شئون الأرض على الإطلاق، فهي الأساس، بل على صلاح المرأة، عنده، يتوقف صلاح الأرض، فهو يقول: "المرأة في الأرض كالقلب في الجسد إذا صلحت صلح سائر الأرض وإذا فسدت فسد سائره" (البشير، 2022: ص 184- 185).

الحرية تعني تحمل المسؤولية في القول والعمل والاختيار

من جانب آخر، لازالت المرأة تظلم بسبب بعض النساء الأخريات في مجتمعاتنا، واللواتي يطالبن بالحرية التي من خلالها يقمن بتشويه صورة المرأة المتحررة من مفهوم التحرر إلى الابتذال، أو ضوابط اجتماعية، حيث وجدت نفسي أتفق مع طه وسن، فكليهما تحدث عن أن "الحرية مسؤولية" وأن "الحرية تقتضي المسؤولية" (البشير، 2022: ص 115)، كما أن الحرية ليست أمراً مطلقاً دون قيد أو شرط، فلا أحد يقف أمام حرية المرأة؛ لكن بعض النساء يجعلن فكرة التحرر من كل القيود المجتمعية في قمة أولوياتهن متناسيات بذلك الحقوق الأساسية التي حرمت منها الخليجيات لعقود كحق المرأة في الاختيار الزواجي، وحقها في القيادة، وحق السفر من أجل العلاج أو التعليم، أو حتى البحث عن فرص عمل للنساء الطموحات، أو ممارسة هواياتهن خارج حدود البيئة الخليجية المحدودة، فالنساء الخليجيات الهاربات من الاضطهاد والكبت، أصبحن بلا هدف، وبلا وعي وشعور بالمسؤولية، وأصبحن يسعين فقط من أجل الشهرة، أو العري والمال باعتقاد أن هذه هي مطالبات النساء الخليجيات، مما أفقد النساء المكافحات حقوقهن في المطالبات والتي تعتبر مهمة في عالمنا اليوم.

انتفاء التمدن عند امتلاك المجتمع للحصانة في علاقته مع الدولة

نجد أن دول الخليج تتبنى بشكل واضح مفاهيم المجتمع المدني وحقوق المواطنة، دون أن تعي مشكلة حقيقية تواجهها الخليجيات في المجتمع القبلي، والذي يطلق عليه عشائري في دول أخرى في الوطن العربي، وهي أن المواطن الخليجي لا يتعامل بلغة الحقوق، وذلك ليس لأنها غير متوفرة بل لأن لديه امتيازات بدلاً من الحقوق، وهي جملة استوقفتني وعبرت عن ما يحدث في المجتمع الخليجي وقد قمت بربطها بعمل المجتمع الذكوري وقدرته على استخدام امتيازاته مع الدولة ليحقق غاياته، حيث يفسر المفكر عزمي بشارة كيف أن المجتمع الذي يملك بعض الحصانة في العلاقة مع الدولة، لا يعتبر مجتمعاً مدنياً، لأن حصانته لا تقوم على الحقوق بل على الامتيازات، وعلى الانتماءات العشائرية (عزمي بشارة، 2017: ص 328). لم يكن الموضوع الذي طرحه الدكتور عزمي متعلقاً بالمرأة في المجتمع الخليجي ولكن هي مقاربة قمت بها، لما تطرقت إليه سابقاً حول كيف يحدث تعارض بين تحقيق العدالة من خلال السلطات الأمنية والقوانين من ناحية والمجتمع الخليجي وطبيعته من ناحية أخرى. هذا الأمر زاد من برمجة العقول في المجتمع الخليجي، ودائماً ما تكون المرأة هي المخطئة، فهي تترسخ مع مرور الأجيال وتؤثر حتى على القرارات القضائية من قبل مسئولين وقضاة في الدولة وإن كانت بطرق غير مباشرة، وبنهاية الأمر فإن الأفراد أصحاب السلطات هم من المجتمع القبلي ذاته.

غالباً ما تحصل جرائم عنف وتعسف ضد النساء في الخليج، تتعدد الأسباب التي من خلالها تتعرض المرأة للظلم، وعند وصول تلك القضايا للسلطات الأمنية وبتدخل من عدد من أفراد الأسرة يتم إنهاء المشكلة وتصبح عائلية ولا يجب التطرق لتفاصيلها وأسبابها ولا تؤخذ بشكل جدي وصارم وتنتهي في كثير من السيناريوهات المحزنة بمقتل الفتاة. وهنا المسؤولية للجهات المعنية تشوبها بعض الفوضى، والتي تحدث بسبب الطبيعة القبلية والمحسوبيات، وفي حقيقة الأمر، دائماً ما توجه أصابع الاتهام للمرأة في حال تعرضها للتحرش أو الاعتداء، فهي قد تكون المشجع على حصول هذا التحرش لسبب يتعلق بتبرجها أو بسبب جراءتها واختلاطها مع الرجال فالأهل لن يقفوا بصفها، والمجتمع ومن ضمنهم رجالات الدولة، هم جزء من المجتمع فإذا كان المجتمع دائماً ما يبرر للرجل سبباً لاعتدائه تضيع حقوق الكثيرات، الخوف من نظرة المجتمع وعدم تصديق الأهل أو حتى طبيعة المجتمع تحكم عدم تقبل الأخ أو الأب تعرض أخته للتحرش، فيثور ويصب غضبه عليها فهي المتسبب الأول بهذا الشيء أمام المجتمع، وقد انتشرت في الفترة الأخيرة قضايا القتل من أجل الشرف، وهو أمر محير حقيقي أن تقتل المرأة فقط للشرف، وكأن الشرف محصور في أجساد السيدات، وقد تزايدت أعداد النساء المغدورات في الخليج دون تسليط الضوء على قضاياهن، وبسبب عدم وجود قوانين رادعة، بل توجد قوانين مشجعة على القتل! وعلى سبيل المثال في دولة الكويت حيث أن المادة 153 في قانون الجزاء الكويتي ، والتي تنص على أنه: كل من فاجأ زوجته في حالة تلبس بالزنى أو فاجأ ابنته أو أمه أو أخته متلبسة بمواقعة رجل لها وقتلها في الحال أو قتل من يزني بها أو يواقعها أو قتلهما معاً، يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تتجاوز ثلاثة آلالاف روبية (عملة الكويت القديمة قبل الاستقلال) أو بإحدى هاتين العقوبتين". وهو ما شكل خطراً على المجتمع الكويتي ويعتبر شكل من أشكال التمييز الجندري في القوانين الكويتية، كما أن هناك العديد من الدول العربية التي مازالت تبرر لمواطنيها الذكور ارتكابهم ما يطلق عليه "جرائم الشرف" وقد أصبحت هناك تحركات عدة نحو إلغاء المادة ذات الصلة من القانون الجزائي (سارة المكيمي: 2021). نجد أن المطالبات لتحقيق العدل الجندري في الخليج مستمرة إلى يومنا هذا. أما بالنسبة للكويت تحديداً هناك وعي واضح وكانت هناك الكثير من التحركات، وهي مسؤولية اجتماعية تقع بشكل أكبر على عاتق المسؤولين في الدولة و الحقوقيين والمشرعين والمعني بهم نواب مجلس الأمة.
إن عدم تطبيق العدل الجندري بين الرجل والمرأة في المجتمع الخليجي، يؤدي بطبيعة الحال إلى ما وصف في العديد من الأدبيات بالمواطنة الناقصة، وهي حالة تعاني منها المرأة الخليجية حيث لا تزال المجتمعات الخليجية تقوم باحتكار وظائف للرجال دون النساء على الرغم من توفر الكفاءات والشهادات التي تمكن المرأة من شغل هذه الوظائف بكل جدارة، وهي أمور قللت من أهمية دور المرأة بالإضافة إلى استنقاص من حقوقها كمواطنة، وهذا الأمر نتج من خلال الصور النمطية تجاه المرأة وقدراتها وقام بعزل النساء الخليجيات في وظائف معينة، وتخضع للعادات والتقاليد في المجتمع الخليجي، (شريفة اليحيائية: 2017).
ومن جانب آخر الأم الخليجية بمجرد أن تتزوج أجنبياً غير جنسيتها، حتى و أن كان خليجياً، تعتبر مواطنة ناقصة لا يمكنها أن تمنح أبنائها جنسيتها، وهو أمر تسبب بمعاناة لأبناء الخليجيات، أن ملف تجنيس أبناء الخليجيات يجب أن يؤخذ على محمل الجد (سامية الجبالي: 2017)، ولا يمكن أن ننكر أن هناك تمييز عنصري بالامتيازات التي يجب أن يحصل عليها المواطن بكل عدالة سواء كان رجل أو مرأة.
وعلى سبيل المثال، في الكويت هناك أمور تعجيزية ومدد لا تقل عن عشرين سنة من أجل الحصول على الجنسية مرهونة بشروط توفي الزوج أو الطلاق وهي من أحكام المرسوم الأميري رقم 15 لسنة 1959 بقانون الجنسية الكويتية، ولطالما كانت هناك مطالبات من قبل أعضاء مجلس الأمة بتعديل قانون تجنيس أبناء الكويتيات ولكن دون جدوى (حسن جوهر: 2010). أن قضايا التمييز العنصري في الخليج أزمة أمنية من الممكن أن تنتج عنها آثار اجتماعية ونفسية سلبية، لذا كان من المهم أن يتم اثارة مثل هذه القضايا لإيجاد حلول جذرية.

الخلاصة
من المهم أن يتم تسليط الضوء بشكل أكبر على دور المرأة في المجتمع الخليجي، ولكن ليس على شكل مطالبات وهمية، بل يجب أن يتم تفعيل دور المرآة بشكل أكبر من خلال إعادة النظر في التشريعات وإعداد برامج ومشروعات تعزز من مشاركة المرأة الكاملة والمتساوية في الدولة. وأن يتم ترسيخ ذلك بإنشاء مراكز عمل تهتم بالمرأة، وندوات توجيهية حول تمكين دور المرأة، ودعم حريتها في مجتمعات لابد أن تتواكب مع التطورات في الدولة. إن محاربة المرأة بهذا الشكل سوف تكون عواقبه وخيمة على المجتمع نفسه؛ خاصة وأنها مصدر قوة للمجتمع، كما يجب أن يكون هناك احترام واهتمام واضح بدور المرأة حتى وأن كانت ربة منزل. والاحترام لدور المرأة والصون لكرامتها، ينعكس إيجابا على البيت والأسرة وعلى كرامة الأطفال والأزواج، وكل هذا من شأنه أن يصحح نظرة الرجل للمرأة، ومن ثم تصحيح العلاقة بينهما، فيعيد بناء البيت والأسرة، ومن ثم المجتمع في أفق أخلاقي رفيع، وفي مستوى إنساني سامي وخلاق. والأمر في كل هذا، في تقديري، يتصل بالجهل بقيمة المرأة ودورها، كونها شريك رئيس في التنمية، وعليها يقوم إثراء الحياة والإنسانية. والمرأة، كما يقول طه، ليست عدوة الرجل، وإنما الجهل هو عدوهما معاً. فلابد أن يصحح الرجل نظرته للمرأة. ويجب كذلك أن تعي الحكومات الخليجية بشكل عام بأهمية تفعيل مفهوم المواطنة للمرأة لأنه في حالة التخاذل سوف تعاني المجتمعات من تداعيات عدة تنعكس آثارها على سلامة واستقرار أمن الدولة على كافة الأصعدة، خاصة وأن النساء الخليجيات اليوم يسعين للحصول على حقوقهن كاملة حتى يتسنى لهن المشاركة الفاعلة في نهضة المجتمع وتنمية الإنسان.

المصادر والمراجع
عبد الله الفكي البشير، أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حرية- محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن، (مقاربة)، ط1 (أيوا: مركز أسبلتا للاستنارة والنشر، 2022).
عزمي بشارة، المجتمع المدني: دراسة نقدية، ط9 ( بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017).
سارة المكيمي، ماذا تعرف عن المادة 135 من قانون الجزاء الكويتي؟، الجريدة، تم النشر:632021، شوهد في: 1592022 في : https://www.aljarida.com/articles/1616685232281195600
شريفة اليحيائية، التعليم وتمكين المرأة الخليجية: المواطنة الناقصة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يناير 2017، شوهد في 1/11/2022 في https://www.dohainstitute.org/ar/lists/ACRPS-PDFDocumentLibrary/document_DE18A1F5.pdf
سامية الجبالي، الأم الخليجية مواطنة ناقصة إذا تزوجت أجنبياً، البيت الخليجي للدراسات والنشر، 14اغسطس2017، شوهد في 1/11/2022 في https://gulfhouse.org/posts/2096/
اللجنة الإعلامية للنائب حسن جوهر، قانون تجنيس أبناء الكويتيات، 7فبراير 2010، شوهد في 5 يناير 2021 في:
https://hasanjohar.com/lawsuggest/قانون-تجنيس-أبناء-الكويتية/



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة