محنة انسان تصنيع جسد المرأة-القسم الثاني

نساء الانتفاضة
nisaa.alintifadha@yahoo.com

2023 / 2 / 6

(لا نعترض في هذا المقال على حرية الجسد الأنثوي في السّلوك والابهار، ولكنّنا ضدّ تسليعه وتحويله إلى خريطة للمتعة البصريّة/ الجنسيّة) ريتا فرج.

انطلقت الباحثة الأردنية ميسون العثوم في مقالتها المعنونة "جسد المرأة والدلالات الرمزيّة: دراسة أنثروبولوجية" انطلقت من (فرضيّة أنّ جسد المرأة ليس معطى بيولوجيّا أو طبيعيّا بقدر ما هو بناء تاريخيّ وثقافيّ واجتماعي صنعته قوى الهيمنة المتصارعة في المجتمع)؛ وتتأكد صحة هذه الفرضية من خلال تتبع مسار شكل الجسد للمرأة والتغيرات التي طرأت عليه، ففي كل حقبة زمنية معينة كان هناك شكل محدد "مرغوب" لجسد المرأة، فالرجل بما انه "قوة مهيمنة" هو من يحدد معايير "الجمال" لشكل الجسد.

صلاح الدين المنجد وفي كتابه "جمال المرأة عند العرب" ينقل لنا وعبر عشرة فصول من كتابه التنقلات التي مر بها شكل جسد المرأة، او ما كان يرغب به الملوك والامراء وحتى عامة النساء، وما كان فهمهم لجمال المرأة؛ ويبتدئ صور الجمال منذ ما يسميه ب "العصر الجاهلي"، وما هي المقاييس والمعايير التي كان الرجل في ذلك الزمن يبحث عنها، فيصف "تاريخيا" أجساد ثلاث نسوة هن "دعد محبوبة دوقلة، فاطمة محبوبة امرؤ القيس، متجردة النابغة"؛ بعدها ينتقل من عصر الى عصر اخر، والمتغيرات التي تطرأ على جسد المرأة، فيتغير شكل النهد والارداف والبطن والاذرع والطول والقصر... الخ.

وبالانتقال الى الجانب الاخر من الأرض فأن شكل الأجساد أيضا كان يتغير حسب "الطلب-الرغبة"، ففي بداية القرن العشرين ظهرت لوحة "فتاة جيبسون" للفنان الأمريكي "تشارلز دانا جيبسون"، وكانت نموذجاً للجمال الأنثوي "المطلوب"، حيث الجسد الطويل النحيل، الوجه الشاحب والقليل من مساحيق التجميل؛ وفي الخمسينات والستينات كان معيار الجمال هو جسد "الساعة الرملية"، فبرزت نجمات السينما بساقين نحيلتين ونهدين ممتلئتين كمارلين مونرو؛ وجسد "الساعة الرملية" كانت قد كتبت عنه الاسترالية "جرمين غرير" في كتابها "المرأة المدجنة" بشيء تفصيلي، واصفة اضطرار النساء الى "نحت" (الخصر بطريقة الشد والضغط كيما يزيد من بروز تكورات الثديين والردفين)؛ وتضيف غرير بشكل رائع ان النساء (تحاولان إرضاء المستهلك حسب الطلب)، فلقد دخل جسد المرأة الى اقتصاد السوق، وبدأ يخضع لمعايير العرض والطلب.

مقاييس الجمال بالنسبة لجسد المرأة والتي دائما ما يفرضها الرجل اخذت منحى مبالغا به في العصر الحالي، ففي وقت كانت "بدانة المرأة علامة على خصوبة الجسد الأنثوي وصلاحيته للحمل والرضاعة، على عكس اليوم إذ تعدّ دهون منطقة البطن كرشا يجب شفطه"؛ وفي وقت كان اطعام الفتاة يشكل فرضا لتسمينها وجعلها "مقبولة"، صارت اليوم الرشاقة والخوف من السمنة وممارسة الرياضة وعمليات التنحيف هي السائدة، وكل ذلك لنيل الرضا والقبول في مجتمع يهيمن عليه الفهم الذكوري.

لقد سبق بيير بورديو عالم الاجتماع الفرنسي في كتابه المهم "الهيمنة الذكورية"، سبق الباحثة الأردنية ميسون العثوم في إدراك قوة الهيمنة الذكورية، والتي كما يقول عنها: (ان القوة الخاصة لتبرير النظام الاجتماعي الذكوري انما تأتيه من انه يراكم ويكثف عمليتين: انه يشرعن علاقة هيمنة من خلال تأصيلها في طبيعة بيولوجية هي نفسها بناء اجتماعي مطبّع).
يتبع الى القسم الاخير
#طارق_فتحي



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة