واقع عمل اللمراة الحالي في سوق العمل الفلسطيني الرسمي وغير الرسمي

سلامه ابو زعيتر
salamapgftu2005@yahoo.com

2023 / 3 / 22


مقدمة:

تعتبر المرأة العاملة المحرّك الخفي لازدهار أي دولة، فمعظم الدراسات الاقتصادية الحديثة تشير إلى أن مستقبل الاقتصاد العالمي أصبح بشكل متزايد في يدّ النساء، فالمرأة والاقتصاد في تفاعل مستمر ومشاركة متواصلة، وأصبحت عنصر أساسي، ومشارك رئيسي في منظومة التنمية، وهي عنصر فعّال في القوة العاملة ولها حضورها في كل المجالات، برغم كل التحدّيات والمعوقات التي تواجهها في سوق العمل إلا أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والمتغيرات والمستجدات ساهمت في إحداث تحوّل على أوضاع النساء العاملات على جميع الأصعدة، وأصبحت كتلة اجتماعية واقتصادية لها سماتها وخصائصها ودورها الرئيسي في تعزيز رأس المال الاجتماعي.

تنبع أهمية مشاركة المرأة في سوق العمل من قوة تمثيلها وقدراتها المذهلة وإمكانياتها، ولا يمكن إحداث التنمية ونصف المجتمع معطل، حيث تمثل المرأة الفلسطينية نصف المجتمع تقريباً، وتشير الإحصائيات بأن عدد الإناث في فلسطين بلغ 2.7 مليون أنثى من مجموع السكان المقدر في منتصف عام 2023، وبنسبة بلغت حوالي 49%، فيما وصلت نسبة الجنس 103.3، أي أن هناك 103 ذكور لكل 100 أنثى، وترأس النساء حوالي 12% من الأسر في فلسطين في العام 2022، بواقع 12% في الضفة الغربية و11% في قطاع غزة[1] وهي المسئولة عن توفير الدخل للأسرة، كما أن أيّ تدخلات لتحقيق التنمية تحتاج لتوظيف كل الطاقات الإنسانية في المجتمع، والمرأة مكون أساسي فيه لا يمكن إغفاله وتجاهله، وتمكينها اقتصادياً ومنحها الفرصة بالعمل اللائق والكريم والعادل ووقف كل أشكال التمييز المبني على النوع الاجتماعي في بيئة العمل، يساهم ذلك في تحسين وتطوير المستوى الاقتصادي للأسرة والمجتمع، وهو أحد السبل التي تساهم بالحدّ من ظاهرة تأنيث الفقر؛ ومساندة المرأة العاملة في بيئة عملها وتحسين ظروف وشروط عملها سواء في القطاع الرسمي وغير الرسمي، الأمر الذي ينعكس عليها، وعلى أدائها الوظيفي، لما له أثر في تعزيز مشاركتها ومساهماتها الاقتصادية والاجتماعية، ويحقق استقرارها وأمنها الوظيفي والاجتماعي والأسري.

تواجه النساء العاملات في سوق العمل الرسمي وغير الرسمي العديد من الإشكاليات والمعيقات التي تحول دون مشاركتها العادلة والفاعلة الأمر الذي ينعكس على دورها في العملية التنموية، ومساهماتها في ميادين العمل، سواء كانت لأسباب اقتصادية أو اجتماعية أو ذاتية لتحقيق طموحاتها، فهي الإنسانة الطموحة التي تسعى لتحقيق ذاتها وهويتها، وإثبات دورها في المجتمع؛ كإنسان منتج لا ماكنة للعمل المنزلي أو الإنجاب، وخلال هذه الورقة سيتم استعراض واقع المرأة في سوق العمل، ومؤشرات مشاركة المرأة في سوق العمل ومعدلات الفقر والبطالة بين النساء العاملات، والمعايير الدولية والعربية والمحلية لعدم التمييز ضد المرأة العاملة ومدى انسجام قانون العمل الفلسطيني والسياسات الوطنية معها، والوقوف أمام الإشكاليات والتحدّيات التي تواجه النساء في سوق العمل، وتقديم رؤية مقترحة لتحسين واقع عمل النساء وصولاً للعمل اللائق والعادل الكريم.

تهدف هذه ورقة العلمية المقدمة لمؤتمر تقدير عمل النساء في فلسطين؛ المساهمة في تحليل واقع عمل النساء في سوق العمل الرسمي وغير الرسمي، وتقديم رؤية مقترحة لتحسين واقع عمل المرأة العاملة من خلال:

- تسليط الضوء على واقع مشاركة المرأة العاملة في سوق العمل الفلسطيني وطبيعة التحدّيات التي تواجهها فيه.

- التعرف على الاتفاقيات والمعايير الدولية والقوانين الوطنية التي تكفل حقوق النساء العاملات في عالم العمل.

- تقديم المقترحات والتوصيات العملية والنقابية لتحسين واقع عمل النساء.

أولاً: مفهوم القطاع الرسمي (المنظّم) والقطاع غير الرسمي (غير المنظّم).

- مفهوم القطاع الرسمي (المنظّم):

يعرف قطاع العمل المنظّم بأنه ذلك الإطار الناظم للعمل الذي يخضع للنظم والقوانين، وتحكمه ترتيبات تعاقدية وهو مسجل لدى الجهات الرسمية والحكومية، ويكفل هذا القطاع للعاملين فيه علاقات عمل منظمة ، ويحصلون على عمل مضمون، وشروط عمل ثابتة ومنتظمة، وهذا القطاع خاضع للتنظيم والضرائب من قبل الحكومة، وفيه بعض المزايا للعاملين مثل: الاستقرار والأمن الوظيفي، والحصول على البدلات والامتيازات، والرواتب الشهرية الثابتة، وساعات عمل منتظمة، مع وجود مرجعية قانونية تضبط علاقات العمل فيه.

- مفهوم القطاع غير الرسمي (غير المنظّم):

يعرف القطاع غير المنظّم بأنه ذلك الإطار الذي لا يخضع لأي معايير أو ضوابط قانونية، ويمكن وصفه بأنه يتشكل عموماً من وحدات تُعنى بإنتاج السلع أو الخدمات، وذلك بهدف أساسي يمثل في إيجاد العمل والدخل للأشخاص المعنيين، وغالباً ما تكون هذه الوحدات صغيرة الحجم، وتُدار بمستوى متدنّ من التنظيم، مع تقسيم عمل ضعيف بين العمل ورأس المال كعوامل للإنتاج وعلى نطاق صغير، وترتكز علاقات العمل فيه على العمالة غير الرسمية أو القرابة أو العلاقات الشخصية والاجتماعية بدلاً من الترتيبات التعاقدية التي تتضمن ضمانات رسمية، وهي غير مسجلة لدى أيّ جهات رسمية أو حكومية[2]، ويمثل مجموعة من الأنشطة الاقتصادية التي تحدث خارج منظومة الاقتصاد الرسمي، ولا يخضع للقوانين والأنظمة المعمول بها، وفيه أنواع وأشكال من الدخل غير منظمة أو مضبوطة، وهذه النشاطات الاقتصادية لا تخضع للضرائب، ولا تراقب من قبل الحكومة، ولا تدخل ضمن الناتج القومي الإجمالي، على العكس من الاقتصادي النظامي[3]، ويفهم من ذلك بأن القطاع غير المنظّم لا يتم مراقبته ولا يتبع أي قواعد، لذلك يتعرض العاملين فيه للاستغلال ولانتهاك الحقوق.

ثانياً: واقع المرأة العاملة الفلسطينية ومؤشرات مشاركتها في سوق العمل:

لفهم واقع النساء في سوق العمل، ومدى حصولها على العمل اللائق والمناسب، وضمان مشاركتها بشكل فاعل على قاعدة العدالة، وتكافؤ الفرص لتمكينها اقتصادياً واجتماعياً، لذا من المهم الاطلاع على إحصائيات العمل ونسب البطالة بين المشاركين في القوى العاملة (15 سنة فأكثر) حوالي، حيث بلغت نسبة البطالة 25٪ في الربع الثالث 2022، وهناك تفاوت في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث بلغت 47٪ في قطاع غزة مقارنة بـ 13٪ في الضفة الغربية، ويقدر عدد العاطلين عن العمل حسب تعريف منظمة العمل الدولية حوالي 378 ألفاً في الربع الثالث 2022؛ بواقع 253 ألفاً في قطاع غزة، وحوالي 125 ألفاً في الضفة الغربية[4]، وهناك فروق في معدلات البطالة تبعاً لمتغير الجنس، فقد بلغ معدل البطالة بين النساء المشاركات في القوى العاملة حوالي 40% مقابل 20% بين الرجال حتى نهاية العام 2022، وبلغت نسبتها 48% بين الشباب (19-29 سنة) من حملة شهادة الدبلوم المتوسط فأعلى، بواقع 61% للإناث مقابل 34% للذكور[5].

وقد بلغ عدد المشاركين في سوق العمل حوالي 1.151 مليون عامل في الربع الثالث 2022، بنسبة مشاركة تصل حوالي 46% في فلسطين، بنسبة مشاركة من قطاع غزة 42%، وفي الضفة الغربية 48%، حيث بلغت نسبة مشاركة الذكور في القوى العاملة حوالي 72%، مقابل 19% نسبة مشاركة الإناث [6]، وتكاد تكون هذه الإحصائيات والأرقام لمشاركة النساء في سوق العمل الفلسطيني هي النسبة الأدنى بين دول الإقليم والعالم، حيث يبلغ متوسط مشاركة المرأة العربية 28%، بينما يبلغ متوسط المشاركة العالمية 69%، وتأتي هذه النسبة المتدنية على الرغم من ارتفاع معدلات التعليم لصالح المرأة الفلسطينية[7].

كما تشير الإحصائيات بأن 40% من العاملين المستخدمين بأجر في القطاع الخاص يتقاضون أجراً شهرياً أقل من الحد الأدنى للأجر والبالغ (1,880 شيقلاً)، فقد بلغت النسبة نحو 38% للرجال، مقابل 50% للنساء، وما يقارب 40% من المستخدمات بأجر في القطاع الخاص يعملن دون عقد عمل، و44% يحصلن على مساهمة في تمويل التقاعد/ مكافأة نهاية الخدمة، بالمقابل هناك 46% من المستخدمات بأجر في القطاع الخاص يحصلن على إجازة أمومة مدفوعة الأجر وذلك للعام 2022[8].

أما بالنسبة العاملين في القطاع غير المنظّم بلغت نحو 31.7% من إجمالي العاملين في فلسطين، وبلغت نسبة النساء العاملات فيه 25% من مجموع العاملين في هذا القطاع [9]، وجميعهم يعملون في ظروف عمل صعبة، ولا يحصلون على حقوقهم القانونية من أجور عادلة، ومكافأة لنهاية الخدمة، ولا يوجد لهم حماية اجتماعية، ولا تأمينات للتقاعد، ولا إجازة سنوية مدفوعة الأجر، أو إجازة مرضية مدفوعة الأجر، ويتقاضون رواتب أقل من الحد الأدنى للأجور، ويعتبر قطاع العمل غير المنظّم هو القطاع الأكبر لتشغيل النساء العاملات في فلسطين، ويصعب الوقوف عليه بشكل دقيق لغياب البيانات والمعلومات والإحصائيات حوله بالإضافة لصعوبة رصده ومتابعته ومراقبته.

ثالثاً: أهم المعايير الدولية والقوانين الفلسطينية لحماية النساء العاملات في سوق العمل:

هناك العديد من المرجعيات القانونية والاتفاقيات التي تنصّ على حماية حقوق النساء في عالم العمل، ووقف كل أشكال التمييز والعنف والتحرش المبني على أساس النوع الاجتماعي، وسنتناول بعض اتفاقيات الدولية لمنظمة العمل الدولية منها: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979، وخاصةً ما ورد في المادة (11) التي تنصّ على أن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان العمل لكي تكفل لها، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة بنفس الحقوق[10]، وقد أكدت على وقف كل أشكال التمييز ضد النساء العاملات، وتبعها الاتفاقية رقم (100) التي تنصّ على تساوي الأجور، والاتفاقية رقم (111) حول عدم التمييز في التوظيف والمهن، والاتفاقية رقم (156) حول العاملين ذوي المسؤوليات العائلية، والاتفاقية رقم (183)حول حماية الأمومة، والاتفاقية الدولية (190) لمناهضة كل أشكال العنف التحرش المبني على أساس النوع الاجتماعي، وهذه الاتفاقيات الدولية لم توقع عليها أيّ دولة عربية ما عدا اليمن وقعت على اتفاقية (183) حول حماية الأمومة[11].

وتعتبر تلك المعايير الدولية مصدر لتطوير التشريعات والقوانين في عالم العمل، والتي تسعى النقابات العمالية والحركات النسوية بنضالها المطلبي بالضغط لموائمة القوانين والتشريعات الوطنية بما ينسجم مع المعايير الدولية لتحسين شروط وظروف الاستخدام للعاملات والعمال.

أما على الصعيد العربي فقد أصدرت منظمة العمل العربية الاتفاقية العربية رقم (5) لعام 1976 بشأن المرأة العاملة لتعزيز مساهمتها في عملية التنمية على أوسع نطاق ممكن، وعلى أساس المساواة التامة مع الرجل[12]، وهذه الاتفاقية ملزمة لكل الدول العربية الموقعة عليها وبما فيها منظمة التحرير الفلسطينية.

أما على الصعيد القوانين الوطنية، فقد نص القانون الأساسي الفلسطيني في مواده (9،22، 25) على التوالي، بالمساواة أمام القانون والقضاء، وكفالة الحقّ بالعمل لكل مواطن، كما أصدر الرئيس الفلسطيني مرسوم رقم (19) لسنة 2009م بشأن المصادقة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو"، وقراراً بمطالبة الحكومة الفلسطينية بعد التوقيع رسمياً على الاتفاقية في الأمم المتحدة بالأول من نيسان عام 2014م، بدون أي تحفّظات عليها[13]، بمراجعة القوانين والتشريعات الفلسطينية وموائمتها مع اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة " سيداو "، لمراعاة المساواة وعدم التمييز في الحقوق بجميع المجالات والجوانب الحياتية[14].

كما يمثل قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000، الحد الأدنى للحقوق العمالية، وهو المرجع القانوني الذي ينظم علاقات العمل بين طرفي الإنتاج، وقد أكد في مادة(2) بأن العمل حقّ لكل مواطن، وتعمل السلطة الوطنية على توفيره على أساس تكافؤ الفرص دون أي نوع من أنواع التمييز، وأنفرد القانون بالإضافة للحقوق الأخرى في الباب السابع نصوص ومواد خاصة بتشغيل النساء، ومن أبرز ما نص عليه القانون لتعزيز العدالة والمساواة في المادة (16) تحظر التمييز في ظروف وشروط العمل بين العاملين، المادة (21) أكدَت على مبدأ تكافؤ الفرص في التدريب والتوجيه بوضع نظام لذلك مع مراعاة حرية الاختيار والأولويات لأسر الشهداء، والمادة (100) حثت على تنظيم عمل النساء وحظر التمييز بين الرجل والمرأة حسب قانون العمل والأنظمة، المادة (101) أكدَت على حظر عمل النساء في أشغال شاقة وخطرة وساعات عمل إضافية أثناء الحمل والستة أشهر التالية للولادة وساعات العمل الليلي فيما عدا أعمال يحددها مجلس الوزراء، والمادة (102) دعت لتوفير وسائل راحة للعاملات، والمادة (103) أعطت الحقّ للمرأة العاملة في إجازة الولادة، ولا يجوز فصلها بسبب تلك الإجازة إلا إذا اشتغلت بعمل آخر بعد ثبوت ذلك، المادة (104) أكدَت على حقّ المرأة العاملة المرضع ساعة رضاعة لمدة سنة من الولادة، وتحتسب من ساعات العمل اليومية، والمادة (105) أعطت المرأة العاملة الحقّ في الحصول على إجازة بدون أجر لرعاية طفلها أو لمرافقة زوجها، المادة (106) تلزم كل منشأة بتعليق لائحة تتضمن الأحكام الخاصة بالنساء في مكان العمل[15].

برغم ما عالجته المعايير والقوانين والتشريعات المتعلقة بالمرأة والقضاء على التمييز ضدّها، ومراعاة حقّها بالعمل اللائق، وعدم التمييز بالعمل، بهدف تعزيز دورها ومساهمتها في العملية التنموية، ومشاركتها في البناء والتطوير الوطني، إلا أن المرأة العاملة ما زالت تعاني من ظروف وشروط عمل مجحفة، ومنهن من تتعرض للعنف وتحرش بالعمل مبني على أساس النوع الاجتماعي، وهذا ما أفادت به دائرة المرأة في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين ، حيث رصدت العديد من الإشكاليات وأهمها وجود تمييز واضح بالعمل بين الرجل والمرأة، وجملة من انتهاكات صارخة للقوانين، واستغلال للمرأة العاملة وحقوقها على جميع الأصعدة وخاصةً في ميادين العمل، بالإضافة لغياب تشغيل النساء اللواتي يعانين من إعاقة برغم أن قانون العمل ينصّ على تشغيل نسبة 5% في كل بيئة عمل[16]، كما أن معظم مواقع العمل لا تراعي خصوصية النساء وحاجاتهن ولا توائم مكان العمل ومع قدرات ذوي الإعاقة.

رابعاً: التحدّيات والمعيقات التي تواجه النساء في بيئة العمل:

من خلال اللقاءات مع العاملات وممثلات النقابات العمالية وقيادة الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين تم حصر ورصد مجموعة من الانتهاكات والتجاوزات القانونية في بيئة العمل التي تواجهها النساء العاملات في سوق العمل الرسمي وغير الرسمي، والتي انعكست سلباً على واقع المرأة العاملة وزادت من حجم معاناتها، ويمكن تلخيص هذه التحدّيات والإشكاليات في التالي:

1. انتهاكات وإشكاليات تتعرض لها النساء في بيئة العمل:

- تتعرض النساء العاملات في سوق العمل للتميز والعنف المبني على أساس النوع الاجتماعي.

- عدم الالتزام من قبل المشغلين بتطبيق قانون العمل الفلسطيني، وترتب على ذلك انتهاكات واستغلال في شروط وظروف العمل، فالعاملات يعملن لساعات عمل طويلة بظروف عمل غير ملائمة لطبيعتهن، وبأجور متدنية جداً تصل في بعض المهن مثل رياض الأطفال لمتوسط 300 شيقل شهرياً.

- حرمان النساء العاملات اللواتي لم يقضين عاماً في مكان العمل من إجازة الأمومة المنصوص عليها بالقانون، ومنهن من يتعرضن للفصل بسبب إجازة الولادة.

- معظم مواقع العمل لا تراعي خصوصية وحاجات ذوات الإعاقة وهي غير مناسبة لهن، ولا يوجد برامج وأنشطة فعّالة لإعادة التأهيل والتدريب للدمج في سوق العمل.

- اتساع نطاق سوق العمل غير المنظّم، حيث يعمل فيه أكثر من 25% من النساء، ولا يخضع لأي شروط ومعايير وضوابط قانونية أو أيّ شكل نظامي للحماية من الاستغلال.

- غياب الأمن الوظيفي وعدم الشعور بالاستقرار في العمل بسبب ارتفاع نسب البطالة يتسبب بمزيد من الاستغلال للنساء في بيئة العمل وخاصةً بشروط وظروف العمل.

- يميل المشغل إلى تشغيل الذكور على حساب تشغيل العاملات الإناث ويصنف سوق العمل المحلي.

- ضعف الوعي لدى النساء العاملات بالقانون، يعرضهن للاستغلال وانتهاك حقوقهن القانونية.

2. الإشكاليات التي تواجه النساء العاملات بسبب السياسات وضعف الدور الرقابي والدور النقابي:

- استمرار الصورة النمطية لدور المرأة والرجل في سوق العمل الفلسطيني، وربط المرأة بوظائف معينة دون غيرها مثل: سكرتيرة، مدرسة روضة، معلمة، عاملة نظافة...إلخ.

- ضعف دور الحكومة في الرقابة والتفتيش مما يمهد الطريق أمام المشغلين لاستغلال حاجة النساء.

- حرمان النساء اللواتي يعانين من إعاقة من حقهن بالحصول على فرصة عمل مناسبة، برغم مقدرتها وإمكانياتها، وأحياناً تتعرض بعضهن للتنمر بسبب الإعاقة.

- التخصصات التي تدرس فيها النساء تقليدية ولا تنسجم مع متطلبات سوق العمل، وما زال هناك فجوة بين مخرجات التعليم العالي والتدريب المهني ومتطلبات سوق العمل.

- ضعف دور النقابات في نضالها المطلبي لصالح قضايا النساء العاملات وتحسين ظروف وشروط عملهن.

- ضعف نسبة الانتساب للنقابات وعزوف النساء عن المشاركة بالعمل النقابي لأسباب ذاتية وموضوعية.

- ما زالت مشاركة النساء النقابيات في المواقع القيادية للنقابات ضعيف ولا يرتقي حجم التمثيل لمستوى الحضور النسوي في النضال النقابي.

- الفرص المتوفرة في سوق العمل لا تتلاءم مع مهارات وقدرات النساء العاملات وتدريبهن المهني خاصةً بعض المهن لا تستطيع العمل بها لمحدودية المهارات.





3. الإشكاليات التي تواجه النساء في البيئة الاجتماعية والأسرية:

- ما زالت النظرة التقليدية نحو دور المرأة هي السائدة بالمجتمع وما زال يُنظر للمرأة العاملة بدونية ويتم تحميلها عبء مركب كونها أنثى ومسئولة عن الأسرة.

- النساء العاملات يشعرنْ بالإحباط لأن البيئة الاجتماعية المحيطة غير منصفة، فهي لا تساعدها على القيام بأدوارها المتعددة رغم خروجها للعمل، أو في التطور والإبداع.

- تواجه النساء العاملات ضغوطات مضاعفة نتيجة دورها ما بين العمل والبيت لغياب المؤسسات المساعدة، وضعف مشاركة الزوج والرجل لأعبائها وإعادة تقسيم الأدوار تبعاً للمستجدات والمتغيرات في الأدوار.

4. الإشكاليات المرتبطة بتطبيق وتطوير التشريعات والقوانين:

- يوجد ضعف في تطبيق قانون العمل الفلسطيني رغم مرور أكثر من عشرين عام على صدوره.

- عدم وموائمة قانون العمل الفلسطيني مع الاتفاقيات الدولية وخاصةً المتعلقة بتشغيل النساء وحمايتهنْ من العنف والتمييز.

- عدم وجود قانون للحماية الاجتماعية وخاصةً قانون الضمان الاجتماعي الذي ينصّ على تأمين الأمومة بما يشكل من تحدّي للنساء العاملات في سوق العمل.

- ضعف تطبيق الحدّ الأدنى للأجور يساهم في تعرض النساء العاملات للاستغلال بالأجور.

- ضعف في الإجراءات العقابية في حال مخالفة قانون العمل، فالعقوبات بالقانون غير رادعة في حال وجود انتهاكات بحقّ النساء العاملات والعمال.

- عدم وجود محاكم عمالية مختصة تبت بقضايا العمال بسرعة.

خامساً: الرؤية المقترحة والتوصيات:

- العمل على رصد الانتهاكات لحقوق العاملات في سوق العمل وحصر الإشكاليات لوضع خطط مناسبة للتدخل ووقف كل أشكال الاستغلال في بيئة العمل وصولا للعمل اللائق والكريم للنساء العاملات والعمال بشكل عام.

- بناء قاعدة بيانات موحدة حول سوق العمل، تتضمن الإحصائيات والمعلومات عن التخصصات المهنية وبيانات العاملات في سوق العمل ومهاراتهن.

- العمل على تعزيز الدور الرقابي على مواقع العمل ومدى التزامها بتطبيق معايير ومواد قانون العمل الفلسطيني.

- العمل على تعزيز دور العمل النقابي وتشكيل حملات ضغط ومناصرة لصالح قضايا النساء العاملات.

- توحيد الجهود بين المؤسسات النقابية والاجتماعية والنسوية للتكامل في البرامج والأنشطة النضالية والمطلبية، لتحقيق تدخل فعّال لصالح قضايا النساء العاملات والاستفادة من التجارب والبناء عليها وخاصةً في تشكيل التحالفات والائتلافات.

- العمل على استحداث فرص عمل جديدة، وعادلة، ومتكافئة على أساس النوع الاجتماعي، وعلى قاعدة الشراكة والمهنية، تناغماً مع القدرات والمهارات للشخص بغض النظر عن الجنس.

- إعادة النظر في السياسات الوطنية للتشغيل وتطويرها على أساس النوع الاجتماعي بما يكفل العدالة وتكافؤ الفرص للجميع بدون تمييز، مع مراعاة نسب البطالة بين الجنسين، وزيادة التدخل وفق التوزيع النسبي للباحثين عن فرص العمل والفئات المتضررة والمهمشة، تحقيقاً لمبدأ العدالة الاجتماعية.

- إعادة النظر في السياسات الوطنية للتعليم العالي والتدريب المهني، وطبيعة التخصصات التي تنخرط فيها النساء لتناسب وتوائم متطلبات وحاجات سوق العمل الفلسطيني، أو أسواق العمل البديلة.

- العمل على تطوير استراتيجيات التدريب والتأهيل المهني وخاصةً للنساء ذوات الإعاقة، بهدف تمكين النساء العاملات من مهارات وكفاءات تناسب حاجات سوق العمل لزيادة مشاركتها وتوسيع فرص العمل التشغيلية.

- العمل على استهداف الخريجات بالتأهيل والتدريب المهني وفق احتياجات ومتطلبات سوق العمل تأهيلاً مهنياً، وورشات عمل تحضيرية للاندماج في سوق العمل، وتقديم المساعدة والتوجيه في البحث عن عمل، وتطوير وتشكيل مجموعات نسوية قيادية من الخريجات، بحيث تنظم وتدمج الفعاليات والمبادرات الجماعية والفردية التي تحقق الهدف بالتشغيل للنساء.

- تعزيز وعي النساء العاملات حول ثقافة العمل التعاوني لإنشاء التعاونية، والمشاريع الاستثمارية الجماعية والمشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر.

- إنشاء حاضنات الأعمال لدعم المبادرات النسوية المنتجة وحمايتهن وفتح أسواق ترويجية لها.

- العمل على تعزيز الوعي القانوني والحقوقي للنساء العاملات في سوق العمل، لتمكينها بالمهارات التي تساعدها في مواجهة كل أشكال الاستغلال في العمل لجهل القانون.

- العمل على تفعيل جهات الرقابة والمتابعة التي تشرف على تنفيذ وتطبيق القانون في سوق العمل خاصةً وزارة العمل الفلسطينية، بحيث يضمن تطبيق عادل للقانون، بشكل يحفظ الحقوق للأطراف في علاقة العمل، وخاصةً النساء العاملات مع ضرورة العمل على مراعاة تشغيل نسبة 5% وفق القانون من ذوي الإعاقة من الجنسين.

- العمل على وضع لائحة توضح شروط وآليات تشغيل النساء وفق القانون في كل بيئة عمل وموائمة ظروف العمل مع خصوصية النساء ووفق حاجتهنْ.

- ضرورة العمل على تطوير وتعديل قانون العمل وموائمته مع المعايير والاتفاقيات الدولية بما يساهم في إنهاء مظاهر التمييز في العمل، وإنصاف المرأة العاملة وحمايتها في سوق العمل.

- العمل على إدارة حملات ضغط ومناصرة لتطبيق وتطوير وتعديل القوانين، وتشكيل رأي عام حول قضايا المرأة العاملة وأثارتها على كل الأصعدة.

- العمل على تعزيز ثقافة المجتمع الإيجابية تجاه النساء العاملات بما يحقق التوازن الإيجابي، ومساعدتها في التوفيق بين أدوراها حفاظاً على السلام الاجتماعي والدور الاقتصادي للمرأة.

- العمل على تعزيز وعي الرجل كشريك فاعل للمرأة العاملة وتفهم دورها، ومشاركتها ومساندتها للقيام بواجبها التنموي والأسري.

- إنشاء محاكم عمالية متخصصة؛ للنظر والبت في القضايا العمالية بشكل سريع.

الخاتمة:

شكّل خروج المرأة لسوق العمل تحدّي حقيقي وعبّر عن إرادة قوية تمتعت بها لإثبات ذاتها، وقد ناضلت المرأة بكل قوتها من أجل تكريس حقّها في العمل، وأثبتت أنها قادرة على القيام به وتحمل الأعباء والأدوار المنوطة بها، برغم كل التحدّيات والمعوقات والعراقيل التي تواجهها في عالم العمل، الامر الذي يستدعي للعمل المشترك والمتكامل لإحداث تدخلات فعّالة تساعدها في الاستقرار بالعمل والحصول على فرص متكافئة ووقف كل أشكال التمييز والعنف وانتهاك الحقوق والاستغلال المبني على أساس النوع الاجتماعي وهذا يدعو لتضافر الجهود والطاقات والتشبيك بين كل الفاعلين والمهتمين بقضايا النساء في كل المجالات وخاصةً المتعلقة بسوق العمل.

ولتحقيق ذلك يجب أن نخطو بخطوات عملية نحو حماية حقوق النساء العاملات، وتمكينهنْ اقتصادياً وتعزيز مشاركتهنْ في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتعزيز ثقتهنْ بأنفسهنْ، بمزيد من البرامج والأنشطة النضالية والمطلبية وزيادة الفعل الاجتماعي والجماهيري، بإدارة حملات الضغط والمناصرة التي تهدف لمزيد من العدالة والمساواة والتكافؤ بالفرص للنساء العاملات والإنصاف بالحقوق وبدون تمييز في بيئة العمل بما يحقق التنمية المستدامة، ويساهم بدمج المرأة العاملة ويعزز مشاركتها بشكل حقيقي في الانخراط في سوق العمل وحماية مصالحها.

......
المراجع :
[1] الجهاز المركزي للإحصاء: د. علا عوض، تستعرض أوضاع المرأة الفلسطينية عشية يوم المرأة العالمي، 08/03/2023، موقع الكتروني https://www.pcbs.gov.ps/postar.aspx?lang=ar&ItemID=4457
[2] الأمم المتحدة الاسكوا: معجم المصطلحات الاحصائية، موقع الكتروني، https://www.unescwa.org/ar/sd-glossary

[3] سلامه أبو زعيتر: النساء في سوق العمل غير الرسمي والتشغيل الذاتي، ورقة عمل 2021.

[4] مركز الإحصاء الفلسطيني: الإحصاء الفلسطيني يعلن النتائج الأساسية لمسح القوى العاملة، للربع الثالث دورة ( تموز – أيلول، 2022) موقع الكتروني https://www.pcbs.gov.ps/postar.aspx?lang=ar&ItemID=4354

[5] مركز الإحصاء الفلسطيني: . علا عوض، تستعرض أوضاع المرأة الفلسطينية عشية يوم المرأة العالمي، مرجع سابق.

[6] مرجع سابق.

[7] سلامه أبو زعيتر: تشغيل النساء من منظور جندري، ورقة حقائق حول تشغيل النساء 30 مارس 2017.

[8] مركز الإحصاء المركزي: مرجع سابق

[9] مركز المراة للارشاد القانوني والاجتماعي، بيان بمناسبة الأول من أيار ابريل 2022، موقع الكتروني، https://www.wclac.org/News/364/On_the_Occasion_of_the_International_Labor_Day_WCLAC_Calls_for_Justice_and_Equality_for_all_Working_Women
[10] الأمم المتحدة: صكوك حقوق الانسان، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، موقع الكتروني https://www.ohchr.org/ar/instruments-mechanisms/instruments/convention-elimination-all-forms-discrimination-against-women

[11] سلامه أبو زعيتر: مرجع سابق

[12] منظمة العمل العربية: الاتفاقية العربية رقم 5 لعام 1976، بشأن المرأة العاملة موقع الكتروني، https://alolabor.org/16334/

[13] قدس: "اتفاقية سيداو".. جدل حول حقوق المرأة والتشريعات الدينية، موقع الكتروني، https://qudsn.co/post/171293

[14] مرجع سابق.

[15] قانون العمل الفلسطيني، رقم 7 لسنة 2000.

[16] مجموعة مركزة: لقاء مع بعض العاملات من دائرة المرأة المركزية بالاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، الاحد 19/3/2023



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة