المرأة المفترية .. والرجل المفترى عليه

محمود الباتع
elbatie@hotmail.com

2006 / 12 / 25

تكثر في بلادنا أشجار الزيتون وهي شجرة مباركة وتعتبر العمود الفقري لإقتصاديات الكثير من هذه البلاد. والزيتون كما يعرف الجميع هو شجرة مثمرة وتتميز ثمرتها الصغيرة بالكثير من القيمة الغذائية بالإضافة إلى كونها ثمرة شديدة المرارة، المسألة التي يتحايل عليها محبوها بمعاجتها بشيء من الملح وعصير الليمون إضافة إلى كبسها وتخليلها بالماء المملح وزيت الزيتون وحتى بعض قطع الليمون من أجل التخفيف من حدة طعمها، إلا أن بعض أنواع الزيتون تبقى مصرة على الاحتفاظ بذلك الطعم المر رغم كل ما يجرى عليها من عمليات تحلية. وفي محاولة أخيرة للقضاء على مرارة حب الزيتون فإنهم يعمدون إلى إثنائها قسراً عن الإمساك بمرارتها وذلك باللجوء إلى دقها أو دعكها بقوة حتى تلين وتتخفف من بعض حمولتها المرة. وتعرف هذه العملية في بلاد الشام عموماً بـ (الرص) أو (التفقيش) وهي عبارة عن الضغط على ثمار الزيتون إما يدوياً باستخدام ألواحٍ عادةً ما تكون من الخشب أو آلياً باستخدام مكائن معدة خصيصاً لهذا الغرض.
يرى البعض في ثمرة الزيتون تمثيلاً لطبيعة المرأة التي برأيهم ورغم ما يعرفونه عنها من قيمة إنسانية عالية، إلا أنها تحتوي من المرارة الشيء الكثير والتي لا سبيل إلى الحد منها أو إقصائها إلا بعملية تشبه ذلك الرص التي تطبق على الزيتونة التي (ما بتحلى إلا بالرص) كما يقول أهل بلادنا، دون أن يتكلف أحدهم عناء السؤال عن تأثير ذلك الرص على الزيتونة نفسها !

لا شك أن الناس يختلفون عن بعضهم البعض في ذائقتهم ومزاجهم، فكما يقوم البعض بالكثير لتحلية الزيتون، فلن تعدم أن تجد نسبة ممن يعشقون الزيتون الغير محلى ويتناولونه استمتاعاً بمرارته التي يعتبرونها مفتاح جودته ومقياساً لأصالة الثمرة وعراقة منبتها، تماماً كأولئك الذين يدمنون القهوة العربية المغرقة في طعمها المر ويأنفون أي رائحة للسكر معها.

ينطبق هذا الكلام على ما يبدو على بعض البشر وتحديداً على بعض الرجال وبنفس نسبة انطباقه على متذوقي الزيتون وبالذات في العلاقة الأزلية الجدل بين المرأة والرجل.

لا أدعي أنني قد توصلت إلى هذا الاستنتاج بذكاء خارق مني ولكن مما يبدو أنه بعض الواقع، فقد صدمني بداية إلى درجة الذهول ذلك التحقيق المصور الذي أجرته مجلة الهديل اللبنانية ونشرته في عددها الصادر في شهر يونيو حزيران الماضي حول ذلك الرجل اللبناني الذي لم تتوقف زوجته عن ضربه منذ أيام خطوبتهما التي ترجع إلى العام 1968 من القرن الماضي وكان يتلقى منها العلقة تلو الأخرى بصدرٍ رحب وذلك لأنه يحبها بل و ” يجن بحبها ” حسب تعبيره، واستمر تلقي الرجل لصفعات زوجته حتى بعد أن رزقهم الله بأبناء هم الآن ثلاثة شباب أكبرهم تجاوز الثلاثين وصبية في الرابعة والعشرين، ويقول الرجل الذي يبدو من صوره أنه في الستينات من عمره أنه قد تحمل ما تحمله من زوجته المدرسة إكراماً لعيون أبنائه الذين كان يقوم على تربيتهم حتى أصبحوا يضربونه بدورهم أسوة بالسيدة والدتهم وبتحريض منها وذلك عقاباً له على زواجه من أخرى غيرها، ولم يكن يقع ضربهم إياه برداً وسلاماً على قلبه كما كان سابقاً مع الست حرمه !

لم أتوقف كثيراً عند هذا التحقيق واعتبرته في حينه حالة فردية شاذة يندر وجودها بهذا الشكل الصارخ على امتداد العالم، حتى صدمت بذلك التقرير الذي نقلته صحيفة أخبار اليوم المصرية في عددها الصادر يوم السبت الثاني من ديسمبر كانون الأول الجاري عن دراسة اجتماعية حديثة تفيد أن عدد الأزواج المصريين الذين يتعرضون للضرب من قبل زوجاتهم قد ارتفع في العام الحالي إلى 28% من مجمل الأزواج المصريين. وتضيف الدراسة التي أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية في القاهرة، أن مصر تحتل المركز الأول عالمياً في ظاهرة ضرب الأزواج تليها كل من بريطانيا بنسبة 22% ثم الولايات المتحدة بنسبة 17% .

وبعد … إنها ظاهرة عالمية إذن، وهي آخذة في التنامي والازدياد سنة بعد أخرى، ولا أشك في أن هذه الظاهرة ممتدة وبنسب متقاربة إلى جميع مناطق العالم في ما يبدو لي أحد ثمار العولمة الاجتماعية وأرى من الواجب أن نتتبعها ونقتفي أثرها في الوقت الذي نتشدق فيه بمحاربة ظاهرة العنف الأسري وخصوصاً ما يسمى بالعنف ضد المرأة التي يحلو لنا أن نتناوله رجالاً ونساءً وغالباً من باب الدلع الأنثوي وكثيراً من باب التملق الرجالي للنساء، أن ندافع عن حقوقها المهدورة بيد الرجل صاحب السطوة الأبوية وعماد المجتمع الذكوري المزعوم.

لقد قيض الله للمرأة كثيراً من الأصوات النسائية والرجالية (واعتبر نفسي من جملتهم) التي تتصدى للدفاع عن حقها في الحرية والعدالة والمساواة ضد الظلم الأزلي الإنساني الذي وقع عليها منذ بدء البشرية، ولكن ألا نجد للرجل هو الآخر من يتلمس وجعه ويداوي الكثير من جراحه التي تفتحت على أيدي نصفه الحلو الذي لم نتوقف يوماً بعد آخر عن اكتشاف مرارته التي لم يعد لا الرص ولا التفقيش يجديان فتيلاً في نزعها ؟

الحقيقة أنني أكتب هذا الكلام وأنا أغالب ضحكات ما انفكت تداهمني تباعاً، وما أشبه هذا الضحك بالبكاء والحالة هذه، فلطالما ظننا أن ثقافتنا الاجتماعية الموروثة قد أجحفت بحق النساء دون الرجال في الوقت الذي كنت أعتقد أن الظلم الاجتماعي قد ظلم الرجل بنفس القدر الذي ظلم فيه المرأة وكنت أرجع السبب دائماً إلى التخلف والغباء الحضاري المتوارث من أيام لم يكن لنا يد في صياغتها. فهل جاء الوقت لنكيل اللوم على المجتمع في ما أصبح عنفاً وتمييزاً ضد الرجل المغلوب على أمره والمفترى عليه دائماً.

إذا كان الله تعالى قد قرن التين بالزيتون في محكم كتابه وساوى بينهما في البركة والقيمة الغذائية، ونحن بدورنا شبهنا المرأة بالزيتونة وعالجناها بالرص، فما هو علاج التين الذي لا يمت إلى المرارة بصلة، لا يؤدي فيه الرص إلا إلى الهرس وانعدام الصفة إلى غير رجعة؟

وتقبلوا مودتي …




https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة