المرأة السورية وظاهرة الابداع 1

مازن شريف
mazencharif@yahoo.com

2007 / 3 / 6

لا شك بأن الذكاء وقوة الشخصية هما سمتان تتصف بهما المرأة السورية أينما وجدت، كما أن حصولها على استقلاليتها وحريتها يضفي عليها حضورا اجتماعيا ورونقا أخاذا يجعلها محط تقدير واحترام من قبل الذين يعرفون المرأة جيدا.لكن في المجتمعات الإسلامية التي تسيطر فيها المفاهيم الدينية الهشة على عقول رجالها والكثير من نسائها "المغلوب على أمرهن" فإنها تضعها في مصاف آلة للتفريخ وخادمة تشبع رغبات (أشباه الرجال) إذ انه من الصعب وصفهم بالرجال، لأنه في نظري كل من يحترم المرأة ويقدرها فهو رجل .
إن ما دفعني لكتابة هذا المقال هي تلك الظاهرة الفريدة في المجتمع السوري والتي أطلق عليها ظاهرة الجرأة أو (ظاهرة وفاء سلطان) التي لم تأت بجديد لكنها برزت بجرأتها في طرح المواضيع التي تثير فضول كل رجل وامرأة.. فهي مثال للمرأة السورية المستقلة والذكية والمبدعة وكل هذه الصفات غير كافية ما لم تقترن بعامل الجرأة في مواجهة الموروثات البالية والجهل العنيف (مرض اغلب المجتمعات الإسلامية)، الذي لا يسيطر فقط على عقول أشباه الرجال، بل على المرأة نفسها في مجتمع تتحول أفكاره يوما بعد يوم إلى اعتبار المرأة بحد ذاتها عورة. لذلك عمد هؤلاء الجهلة إلى تغليفها وتعليبها وطلبوا منها أن تخفض صوتها لأنها آخر من يجب أن تتحدث، وآخر من يجب أن ترفع رأسها وآخر المخلوقات البشرية.

في هذه المجتمعات التي تسيطر فيها التربية الإسلامية التي تلغي الآخر (وهذه حقيقة) صار لزاما علينا جميعا أن نثور على أنفسنا في البداية لتحريرها من التقاليد والعادات والموروثات البالية، ومن ثم ننطلق لتوعية هذا النشء قبل أن تتخمر في عقول أبنائه فكرة أن المرأة عورة وعليها أن تبقى معلبة، وننزع عنها هذا الغلاف عندما تثير شهواتنا الجنسية ونستعملها كآلة للتفريخ مثلها مثل أي كائن لا قيمة له.
يخطئ من يقول بان المرأة نصف المجتمع، أقول لهؤلاء أن المرأة والرجل مكملان لبعضهما البعض وكم من امرأة تفوقت على الرجل، فهي القوية والقادرة على تحمل متاعب الحياة أكثر من الرجل، ولو عدنا إلى أوائل التاريخ فإننا نجد بأنها كانت مسؤولة عن كل شيء والرجل كان يقضي جل وقته في الصيد لا أكثر.

ها نحن في القرن الواحد والعشرين وما زالت مجتمعاتنا تحتقر المرأة وتهينها وتعتبرها وضيعة (ناقصة عقل ودين) وتجعلها بالنسبة للرجل شرفه وعرضه. وهنا لا بد من أتوجه بسؤالي إلى أولئك الذين يهبطون بشرفهم إلى أدنى مكانة له إلى جزء لا يتجاوز غشاء البكارة والذي كم قام هؤلاء بالدفاع عنه حتى وصل بهم الأمر إلى قتل النفس البشرية حفاظا على غشاء لا قيمة له، وهذه حقيقة علمية يعرفها الطبيب والمتعلم الواعي، وان تحصر الشرف في الأعضاء الجنسية للمرأة وأنت تمارس كل يوم العهر وتبقى ذلك الرجل الشريف طالما زوجتك وأختك وأمك وابنتك تحافظن على أعضائهن التناسلية ولا تمارسهن إلا بموجب القانون الذي رسمته في ذهنك وادعيته شرفا لك! تبا لأشباه الرجال أمثال هؤلاء وما أكثرهم في مجتمعنا، فمتى كانت الأعضاء التناسلية عنوانا للعفة والطهر؟ أليس العقل هو عنوان الإنسان وشرفه وكرمه وأخلاقه!

اذكر حادثة وقعت أمامي بحكمي مترجم، عندما حضر إلى مكتبي احد السوريين الإسلاميين وهو طبيب نسائي في السادسة والثلاثين من عمره تخرج من الجامعة، لا يعرف شكل غشاء البكارة ولا يعرف أين يقع رحم المرأة، ليقدم لي وثيقة كي أترجمها مكتوب عليها "عقد النكاح". فقد تزوج صاحبنا من طفلة لم تكمل بعد ستة عشر ربيعا، وذلك من اجل أن يقدمها للسلطات ليستكمل إجراءات منحها الفيزا لتنضم إلى عش الزوجية، عندها سألته هناك خطأ في تاريخ ميلادها يا صاحبي فقال لي لا انه صحيح، فقلت له أنها ما تزال طفلة فقال أن السفارة بدمشق رفضت منحها الفيزا لأنها لم تكمل بعد الستة عشر ربيعا وعلي أن انتظر ثلاثة أشهر لأحضرها إلى هنا.. وأضاف هذا هو الزواج السليم وفقني الله بأن أخذتها صغيرة لأتمكن من تربيتها كما أشاء لتكون مطيعة لي، ويكفيني فخرا بأنها عذراء.. وبعد أن أكملت الستة عشر ربيعا احضرها إلى بيته، علبها بغلاف اسود وسجنها كما تسجن النساء المسلمات في قصور أشباه الرجال وكل عام أترجم له شهادة ميلاد لطفل جديد.

حسده الكثيرون على فعلته وهو ما زال يبحث في أماكن بيوت الرفاهة الجنسية عن فتيات فقدن عذريتهن منذ الصغر ليشبع رغباته وأهوائه الجنسية وليقول للجميع وبدون خجل أن على المرأة ألا تشعر بالرعشة (ORGASM) كي لا تفكر في الخيانة.
يبدو هذا النموذج من أشباه الرجال شريفا ومحترما أمام فئة من الجهلة الذين يلتقون معه في المساجد والمقاهي والمطاعم العربية التي تفقد شهيتك عندما تحاول تناول وجبة طعام فيها، خاصة عندما تجد تلك المرأة المعلبة ترفع قليلا من غطاء رأسها الأسود والفارغ لتتناول بيدها لقمة من صحن وضع أمامها على الطاولة.

كيف تقبل هذه المرأة على نفسها أن تكون سلعة أو صفقة تجارية بين أهلها وتاجر فرض تسميته بالطبيب على مجتمع لا يعرف بأنه تاجر سلع لكنه طبيب بشري هذه المهنة المقدسة التي لا يمكن أن يحظى بها إلا أصحاب العقول النيرة. ولعل هذه الفتاة لو تمكنت من أن تقرا وفاء سلطان لما وصلت بها الحال إلى درجة السجن المؤبد.
وبالرغم مما يحدث فانه عندما اقرأ وفاء سلطان اشعر بان الأمل سيخيم على شريحة كبيرة من نسائنا ورجالنا وعلى المرأة التي احترمها واقدرها واقبل يدها عندما التقي بها وافتح لها باب سيارتي لتجلس وهي مطمئنة وأقدم لها زهرة عرفانا بالجميل واحتراما لها وتقديرا لإنسانيتها، لان هذه المرأة هي أمي وأختي وابنتي وزوجتي وبالفعل تقول لي زوجتي لماذا تحترم المرأة كثيرا؟ فقلت لها أنا لا احترم المرأة فحسب بل أحبها لأنها جميلة وجمالها يكمن في تفكيرها السليم وعقلها المنفتح على العلم والحجة المقنعة، وسأبقى من الذين يلفظون المثل الشعبي القائل (المرأة كحبة الزيتون لا تحلو إلا بالرص) أقول لمن يردد هذا المثل أن يتعرف على المرأة على السيدة الفاضلة على الإنسانة الجريئة على وفاء سلطان.. عله يحبس أنفاسه قليلا ويحاول كتمان غضبه قليلا ليعلم بان ظاهرة وفاء سلطان لن تخمد وان نساء سوريات يلحقن بها ولن تقتصر هذه الظاهرة على النساء فقط، بل ستتعداها إلى كل الرجال، أما أشباه الرجال فهم مرضى وقد تفشى بهم المرض، وستكون وفاء سلطان احد الأطباء الذين سيعالجون أمراضهم وأمراض مجتمع غارق في الجهل والغباء.

لتحيى العقول النيرة ولتحيى الجرأة، فالعلم والمعرفة غير كافيين لنشر الفكر السليم إن لم يكن مقرونا بالجرأة.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة